وإذا كانت الفِتَن من حولك في كل مكان أقوى من طاقتك، وتشعرين بالوِحدة والغُربة في المجتمع الحالي أيتها الغالية:
فينبغي أن تبتعدي عن كل ما يثير هذه الفتن، سواء وسائل الإعلام الهدَّامة أو الصُّحبة السيئة، أو أماكن اللهو غير البريء... وتستبدليهم بوسائل الإعلام البنَّاءة (ومنها القنوات الفضائية الجادة، ومواقع الإنترنت الآمنة)، والصُّحبة الصالحة التي تتناسب مع طباعك وأخلاقك... ولا تقولي: "أين أجد ذلك؟!"، فمن يبحث عن شيء لابد سيجده مهما كان صعبًا، فإن كان صعبًا فهو -بلا شك- غير مستحيل!!!
ولا تنسي أن حبيبنا صلى الله عليه وسلم رغم قوة إيمانه كان أكثر دعائه لله سبحانه هو:
«اللهم يا مُقلِّبَ القلوب ثبِّت قلبي على دينك».
وكان -صلى الله عليه وسلم- بعد أن ينتهي من التشهُّد في كل صلاة يدعو ربه قائلا:
«اللهم إنِّي أعوذ ُ بك من فِتنة المَحيا وفِتنة الممات، وفِتنة المَسيخ الدجَّال ومن عذاب القبر»، فهل تفعلين مثله؟!!!
ما أحوجَنا جميعًا لأن نفعل ذلك!!!
وما أحوجنا للدعاء:
{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8].
أما عن شعورك بالوحدة والغُربة فتأكدي أن الحجاب فريضة على كل الأديان، ولكِ أن تتأملي صور مريم عليها السلام، أو أن تطَّلعي على صور المتدينات من نساء اليهود، أوتتذكري الأفلام التي تعرض أحوال نساء الجاهلية قبل ظهور الإسلام اللواتي كُن يكشفن -فقط- عن أعناقهن!!!
فهل نساء الجاهلية أفضل منك؟!!
حاشا لله!!!!
ولا تنسي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
«بدأ الإسلام غريبًا، وسيعودُ غريبًا كما بدأ، فطوبَى للغُربَاء» [صحيح مسلم] (وطوبى هو: واد في الجنة)!!.
فهنيئًا لك بغُربتك التي تميِّزُكِ عن الفاجرات وسيئات الخُلُق والسُّمعة، وهنيئًا لك بالجنة!!
فإن عيَّروكِ بعفافك وطُهرك واحتشامك، ووصفوكِ بأنك مُعقدة أو متخلفة -والعياذُ بالله- فقولي لهم بهدوء:
"ما أحلى غُربة العفيفة وسط الفاجرات، وما أزكى رائحة الطُّهر وسط زُكام الفِسق، وما أجمل غُربة الأحرار في دنيا العبيد، وما أقوى نور شمعة واحدة وسط ظلام العالم"!!
والآن دعيني أزُف إليكِ هذه البُشرى الجديدة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«الخير فِيَّ وفي أُمَّتي إلى يوم القيامة».
أي أن الشَّر مهما كثُر وتنوعت أشكاله وفنونه، فسيظل هناك خير يتمثل في بعض المسلمين أمثالك، كما أن ظلام الدنيا كله لن يستطيع أن يطفىء نور شمعة واحدة من أمثالك... فلن تكوني إذن غريبة بمعنى أنك ستكونين الوحيدة على وجه الأرض، بل سيظل هناك عفيفات، طاهرات ومؤمنات مثلك إلى يوم القيامة، فابحثي عنهن كما تبحثي عن العبير وسط زكام الروائح الكريهة، واشتاقي لصحبتهن كما تشتاقي إلى النسيم العليل وسط الحرارة المرتفعة، وانضمِّي إليهن بسرعة، فإن
«يدُ الله مع الجماعة» كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم.
وإذا كانت صديقاتك –للأسف- لا يلتزِمن بالحجاب، فاعلمي أن يوم القيامة سوف:
{يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ* لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 34-37]، حتى والدتك التي تحبك أكثر من نفسها، سوف تهرب منك ذلك اليوم وتقول: "نَفْسي، نَفْسي".
فمن حقك الاستمساك بصديقاتك اللاتي ترتاحين إليهن، وتسعدين بصحبتهن، ولكن إذا كان هذا على حساب سعادتك في الآخرة، فينبغي لك أن تعيدي التفكير، فإن عذاب النار-والعياذ بالله- شديد لا يحتمله بشر، فإذا كانت نار الدنيا لا تُحتمل، فكيف بنار الآخرة التي هي سبعين ضعف نار الدنيا؟!!!
أعاذنا الله وإياكِ من النار!!!
ولقد وصف القرآن الكريم حال من ظلم نفسه بمصاحبة من يُبعدونه عن طريق الله، فقال:
{يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً* يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً (أي صديقا) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:27-29].
ولكن يوم القيامة لن ينفعه الندم ولا الحسرة!!!
فالأيام يا غاليتي أنواع:
يوم مفقود: وهوالماضي الذي ذهب بلا عودة، ليُنقِص من أعمارنا يومًا!!
ويوم مشهود: وهو اليوم الذي نعيشه ونملُك أن نفعل به ما نشاء... هذا اليوم يقول لنا كل صباح: "يا بن آدم أنا يومٌ جديد، وعلى عمَلك شهيد، فاغتنِمني... فإني إن ذهبتُ فلا أعود أبدًا"
كما قال الحسَن البصري.ويوم موعود: وهو يوم في المستقبل قد يأتي وقد لا يأتي، ومن ثم فهو غير مضمون!!!
ولقد قال أحد الحكماء: "من صاحب اُلمُصلِّين صلَّى .. ومن صاحب المُغنِّين غنَّى!!!"
ولا تقولي أنا شخصيتي أقوى من أن أتأثر بهن، فأنت تتغيرين -لاإراديًا، و ببطء شديد- لتصبحي مثلهن دون أن تدري!!!
فإن لم تتغيري للأسوأ، فإنك لا تجدين بينهن مَن تَدلُّكِ على الخير أو تُعينُكِ عليه، بينما تعينك صديقتك الصالحة على أن تُكثري من الأعمال الصالحة لترتفع درجاتك في الجنة... فإذا كنت تريدين من الدنيا -وهي لا تساوي عند الله جناح بعوضة- خير ما فيها، فكيف ترضين في الجنة بأقل منزلة؟
لماذا لا تطمعين في الفردوس الأعلى؟!!
ألا تحبين مصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته الصالحات وبناته الطاهرات، ومريم عليها السلام وهاجَر، وسارة عليهما السلام وأمثالهن؟!!!
ألا تحبين أن يكون سَقف قَصرك هو عرشُ الرحمن؟!!!
ألا تعلمي أن الناس يوم القيامة يدخلون إلى الجنة جماعات، وإلى النار-والعياذُ بالله- أيضًا جماعات؟
يومها سيبحث كل صديق عن صديقه، فإما أن يأخذ بيده ويدخلا الجنة معًا؛ وإما..... والعياذ بالله.
ألا تعلمين أن جزاء مصاحبة الصالحات -لمجرد أنهن يقرِّبنَكِ من الله- هو أن تجتمعي بهن على منابر من نور حول عرش الرحمن، فيُظِلكُنَّ بظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه؟!!!!
بل والأجمل من ذلك أدعوكِ للاستماع لهذا الحديث القدسي:
«وجَبَت محبتي للمتحابين فِيَّ، والمتجالسين فيِّ، والمتزاورين فِيَّ، والمتباذلين فِيَّ!!».
أي أن محبة الله تعالى واجبة لكل مَن اجتمعوا من أجل طاعته، وتحابّوا من أجله، وتزاوروا من أجله، وأعطى بعضهم بعضًا من أجله!!!
فما رأيك؟!!!
و إذا كُنتِ -ولا ألومكِ- تشعرين بالرغبة في التغيير:* فيمكنك التغيير في طريقة ربطة الرأس وألوانها دون الخروج عن حدود الحجاب الشرعي، فالحجاب الذي يُرضي ربك الكريم هو:
1- الذي لا يصف أيًا من ملامح جسدك الغالي (أي أن يكون فضفاضًا)، فلا يظهر منك إلا الوجه والكفِّين، ولكن بدون زينة أو مساحيق.
2- ألا يكون شفافًا يكشف ما وراءه.
3- ألا يكون لافتًا للنظر سواء بلون مُبهِر، أو حِلية لافتة.
4- ألا يكون مُعطَّرًا.
* كما يمكنك تغيير وضع أثاث غرفتك أو منزلك.
* أو تغيير وظيفتك.
* أو الالتحاق بمعهد أو مركز لدراسة دورات تتعلمين فيها شيئًا مفيدًا.
* أو السفر في إجازة قصيرة.
ولكن لا ينبغي أبدًا تغيير طاعتك لربك وحرصك على إرضاءه.
وإذا كنت –أحيانًا- ترَين نفسك شاحبة، فاعلمي أن الشحوب لن تُخفيه المساحيق، وإنما الأطعمة التي تحتوي على عنصر الحديد، (الذي يمنح الدم لونه القاني)، ومن ثم يعطي البشرة لونها الوردي!!
فالدم النقي يا غاليتي هو أهم أدوات التجميل، لذا يجب أن تأكلي قدرًا كافيًا من الأطعمة التي تحتوي عليه بشكل كبير مثل: العسل الأسود -الذي يقولون عنه أنه حديد سائل- والعدس، والبازلاء، والبنجر، والكبدة، والبيض، والسبانخ، والخرشوف، والرمان، والتفاح، والعنب الأحمر؛ مع ملاحظة أنَّ تناوُل عصير الليمون -أو أي طعام غني بفيتامين ج(سي)- مع هذه الأطعمة يساعد على امتصاص الحديد في الجسم، ومن ثم يحقق أقصى استفادة منه.
هذا بالإضافة إلى تناول الخضر الطازجة، ومنها على وجه الخصوص:الجزر (لَكِ أن تلاحظي التأثير المباشر والسريع للجزرعلى لون ونعومة بشرتك، وإشراقة وجهك).
أما منتجات الألبان، فهي ضرورية أيضًا لجمالك ونضارة ونعومة بشرتك، خاصة الزبادي والجبن القريش؛ هذا مع الاعتدال في تناول النشويات والسكريات واللحوم.
وإذا كُنتِ -يا أخيتي- تشعرين بالقلق من ألا يتقدم لك العريس المنتظَر لأنك ترين أن الحجاب الصحيح يقلل جمالك؛ فاعلمي أن الزواج هو احد أنواع الرزق، ولعلك تعلمين أن الرزق يطارد صاحبه أينما كان، حتى أن الإنسان لو هرب من رزقه لطارده الرزق كما يطارد الموت صاحبه!!!
فلن تستطيعي -مهما فعلتي- أن تهربي من رزقك، ولن يستطيع أحد كائن من كان أن يمنع عنك رزقك، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:
«لا يموتُ ابن آدم حتى يستوفي أجله (عُمره) ورزقه»، كما يقول صلى الله عليه وسلم:
«... واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن الأُمَّة لو اجتمعت على أن يضرُّوك، لن يضُرُّوكَ إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعَت الأقلام، وجفَّت الصُّحُف» حديث صحيح.
ولَعلك لاحظت من قبل أن غير الجميلات يتزوجن -في العادة- من رجال وسيمين، أو على الأقل تكون كل منهن سعيدة في زواجها!!! ألم تسألي نفسك ذات مرة، "لماذا؟!!"
إن المسألة تخضع للقدَر والنصيب ولقِسمة الله العادلة بسنن خلقه، يقول سبحانه:
{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: 32]، ولعلك إن سألتي هؤلاء الأزواج!!
و إذا كُنتِ -ولا ألومكِ- تخافين أن يتطلع زوجك لغيرك من المتبرجات، فاعلمي أنه إذا نظر لغيرك فهو يرى من تجعله يشعر بقيمتك، ومن تجعل قَدْركِ عنده يرتفع ويزداد... فلو شاء لتزوج واحدة منهن، ولكنه فضّلك عليهن جميعا حين أراد أن يتزوج،
فالفرق بينك وبين المتبرجة:أنكِ كقطعة حلوى نظيفة وصحية تم تغليفها لكي تُصان من الذباب والأتربة، بينما بقيَت هي كقطعة حلوى بدون غطاء... فأصبحت ملوثة لا يمتد إليها إلا أيدي ملوثة مثلها!!
وأنك جوهرة غالية، وثمينة، ونادرة... فكان لابد من الحِفاظ عليكِ داخل وعاء ثمين حتى لا تعبث بك نظرات العابثين ويطمع بك الطامعين، ويصبح جمالكِ مُتاحًا لكل مَن هب ودب.
بينما بقيت هي معروضة لكل الناس -لأنها رخيصة، وبلا قيمة كالسلعة البائرة- فمن شاء استرق النظر إليها، ومن شاء مد يده وعبث بها، وأفسد طُهرها وبراءتها... فالحمد لله الذي عافاكِ مِمَّا ابتلاها به، وفضلَكِ عليها تفضيلا!!!!
وإذا كُنتِ -يا رشيقة القوام- ترَين أن الحجاب الصحيح يخفي رشاقتك:
فتأكدي أن الرشاقة تظهر مهما ارتديتِ من ملابس واسعة ولكنها تظهر بشكل محترم يليق بك، كما تظهر أكثر من خلال حركتك الرشيقة، وقوامك الممشوق، وهامَتُك العالية... كما أنك -بحجابك الصحيح- تحتفظين بمعالم هذه الرشاقة لتظهر أمام زوجك فقط، ألم نتفق أنك جوهرة مكنونة، ودُرَّة مَصونة؟!!!
ثم إن الدنيا يا غاليتي سُوَيْعات قلائل وستمُر؛ فإن أنتِ صُنتِ رشاقتك عن أعين الناظرين أبدلك الله في الجنة بقوام ورشاقة خير مما عندك، وإن لم تفعلي احترقَتْ رشاقتك هذه في النار-والعياذُ بالله- وذابت ثم عادت، فاحترقت... وهكذا؛ فما رأيك؟!!!
والآن يا غالية أرجو ألا أكون قد أثقلتُ عليكِ، ولكن بقيَت همسات قليلة أرجو أن تجد طريقها إلى قلبك:تذكري كلما ارتديتِ حجابك أنه شَرَفُكِ الذي شرَّفكِ الله به، واختارك دون الرجل لتحملي شعار الإسلام أينما ذهبتِ.
تذكري أنك تُمثِّلين نموذجًا للمرأة المسلمة، فاجعلي هذا النموذج مشرِّفًا قدرَ استطاعتك، ولا تدَعي أحدًا يعيب الإسلام أو الحجاب بسبب سلوك غير مسئول يبدر منك سواء بقصد أو غير قصد.
تذكَّري أن الملائكة تُحيطُكِ كلما ارتديتِ حجابك، وتحفظك؛ فلتكُن أيضًا تصرفاتُكِ ملائكية قدر الإمكان.
إحرصي على عمل جدول أسبوعي لمزاولة الأنشطة المختلفة، منها:أ- ممارسة الرياضة التي تحبينها (بدون تبرُّج أو اختلاط).
ب- درس ديني لشيخ يتبع السُّنة النبوية التي تتفق مع الفِطرة، ولا تشدُّد فيها.
ج- قراءة كتاب يرفع مِن همَّتك ويزيد من ثقتك بنفسك مثل: ("المفاتيح العشرة للنجاح"، و"قوة التحكُّم في الذات" للدكتور إبراهيم الفقي، و"إدارة الذات" للدكتور أكرم رضا، و"100 نصيحة لحياة سعيدة" للدكتور عادل صادق، و"كيف تتخلص من عيوبك النفسية" للدكتور يسري عبد المحسن، و habits of highly effective people the Seven لمؤلفه Steven Covey، و"لا تَحزن" للدكتور عائض القَرني، و"رِحلة التغيير المُتَّزن" لمؤلفته صفية سِرِّي).
د- لقاء مع صديقة أو صديقات من الصالحات.
فإن مزاولة هذه الأنشطة باستمرار يجعلها عادة لا تستطيعين الاستغناء عنها، واحرصي على ألا تؤجليها لأي سبب؛ حتى تصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتك... وأعدُكِ بأنك ستندهشين من النتائج بعد فترة قصيرة من الزمن!!!
والآن يا غاليتي أترُكُكِ -في رعاية الله- مع القصص الواقعية التالية:
1- رانية وأعوان إبليس:ذهبت رانية -البالغة من العمر ثلاثة عشر عامًا- إلى العمرة مع والديها في العُطلة الصيفية، وهناك كانت سعادتها لا توصف لرؤية الكعبة المشرفة وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، والصلاة في الروضة الشريفة، والصلاة في مسجد قباء، وزيارة جبل أُحُد وشُهداء غزوة أُحُد... فقد كان لكل ذلك أثر كبير في نفسها البريئة، وهناك قررت أن تلتزم بالحجاب وعزمت على ألا تعود عنه أبدًا.
ولما عادت رانية من العمرة هنأتُها على هذا القرار المبارك وشجَّعتُها كثيرًا بكل ما استطعتُ من وسائل، وكانت هي سعيدة جدًا بذلك... ولما بدأ العام الدراسي، وعادت إلى المدرسة فوجئت رانية بأعوان إبليس من زميلات المدرسة يجتمعون عليها ليُفسدوا عليها طاعتها وتوبتها، فمن تقول لها: "ما هذا إن شكلك غريب"، ومن تقول: "إنك لا زلت صغيرة السن"، ومن تقول: "كلما نظرتُ إليكِ شعرتُ بالرثاء من أجلك، لماذا تحرمين نفسك من مُتع الحياة؟"...
وزا د الطين بلة حين أخطأَت رانية في الإجابة على إحدى الأسئلة في حصة الدين، فما كان من المعلمة إلا قالت لها بعُنف: "كيف تُخطئين في الإجابة وأنت مُحجبة؟!!!!".
فكانت هذه هي القشة التي قصمَت ظهر البعير، وشعرت رانية بالاختناق وبأنها تكره الحجاب وأنها لم تعد قادرة على ارتداءه مرة أخرى... فحزنت أمها كثيرًا، ولم يدرِ والدها ماذا يفعل ...وحاولنا إقناعها بكل طريقة ممكنة حتى لا تخلع الحجاب، ولكنها أصرت على موقفها ولم يستطع والداها سوى الإذعان لرأيها لعلها بعد أن تتقدم في العمر قليلاً تُدرك أكثر، ثم تعود... فأشرتُ على والدتها أن تُلحقها بحلقة قرآنية في إحدى الدُّور المتميزة، لعل هذا يحفظها من شياطين الإنس والجن، ويعينها على العودة بنفس واثقة، وقلب ثابت في المرة القادمة، ليس للحجاب فقط، ولكن لكل ما يُرضي ربها، وما ذلك على الله ببعيد، وهي الآن تلتزم بالذهاب إلى هذه الحلقات، والله تعالى أدعو لها أن يتوب عليها وأن يرُدَّها إليه ردًا جميلاً، وأن يأخذ بناصيتها إليه أخذَ الكِرامِ عليه، إنه على كل شيء قدير.
2- جارتنا -أم كاميليا- والضَّيفة الكندية:كنتُ حين قررت ارتداء الحجاب لا أحب العباءة أو (الثياب الماكسي) ولكني كنت مُصرة على الحجاب ومهيأة نفسيًا لارتداءه، فظللتُ أفكر في حل للمشكلة... فلما تذكرتُ ثياب النساء المسلمات في الهند والباكستان، اللواتي يرتدين البلوزة الطويلة مع البنطلون الواسع (أي ما صار يُعرف بعد ذلك بالتونيك) فقررتُ أن تكون ثيابي كلها من هذا الزي مع اختلاف الألوان والأقمشة لتُناسب كل الأوقات.
ولقد كان الزي مُريحًا وعمليًا، بل إنه نال إعجاب كل زميلاتي بالجامعة؛ إلا أنني كنت ذات مرة أزور جارتنا الطيبة التي عاد ابنها من كندا مع زوجته الكندية، فجلستُ معهم جميعا، وبينما نحن نتحدث لمحتُ الضيفة الكندية تهمس إلى زوجها بكلمات، فلم أهتم بذلك... ولكن زوجها قال لي: "عفوًا، إن زوجتي تتساءل: "إذا كُنتِ ترتدين الحجاب، فلماذا هذه الثياب التي توحي بأنك ذاهبة إلى الديسكو؟!!!!".
فنزلت كلماته عليَّ كالصاعقة، ولم أردُّ لوهلة، ولكني بعد أن تمالكتُ نفسي قلت له: "إن ثيابي ساترة، فما يَهُم الموديل؟!".
فقال لي: "إن انطباعنا عن زيِّك يختلف كثيرًا عن انطباعها وانطباع الغربيين، فالحجاب بالنسبة إليهم يعني العباءة أو الثوب الطويل، فهما أكثر سترًا، وهما لباس الإسلام كما يعرفونه".
فلم أردُّ عليه ولكنني اعتذرتُ لهم وعُدْتُ إلى بيتي وأنا أفكر طويلاً، لقد شعرت بالحرج الشديد، وبأنني أسأت تمثيل المسلمات، بل وربما أسأت إلى المسلمين والإسلام أمام هذه الضيفة الكندية التي لم تعتنق الإسلام بعد!!!
وظللت أحدِّث نفسي: "نعم إن ثيابي ساترة، ولكن العباءة أكثر سترًا ...ولكنني لا أحب العباءة، فماذا أفعل إذن؟!!!".
وظللت أفكر حتى هداني الله تعالى بفضله إلى ارتداء التايورات الماكسي؛ أو البلوزات مع الجونلات الماكسي فهي أخف وطأة من العباءة بالنسبة لي في ذلك الوقت وشعرت بالفعل براحة كبيرة وبأنني مستورة أكثر من ذي قبل... ومرت السنوات، وأكرمني الله تعالى بعُمرة في شهر رمضان، وهناك كان لابد من أن أرتدي العباءة، بل إنني شعرت وأنا أمام الكعبة أني أريد ارتداء كل ثياب الدنيا لأستر نفسي قدرالإمكان... وشعرت براحة عجيبة وأنا أرتدي العباءة وأتجول بها في كل مكان، وكأنها مليئة بالنور من داخلها والدنيا من حولي واااسعة!!! حتى أنني حرصت على شراء العديد منها بمختلف الموديلات الفضفاضة لكي أرتديها عندما أعود لبلدي... ومع مرور الوقت أصبحتُ لا أستطيع الخروج بدون عباءة، فقد وقعتُ في غرامها، ولم أعد أستطيع الاستغناء عنها، والحمد لله رب العالمين.